أراك على خير Print
User Rating: / 0
PoorBest 

كتب فاروق شوشة:

منذ عام1981 والشاعرة تيرى بباوى توالى نشر إصداراتها بصورة متتابعة ومنتظمة . كان صدور مجموعتها الأولى : احظة صدق فى ديسمبر من ذلك العام مفاجأة لمن يتابعون الحياة الشعرية والأدبية ها هى ذى شاعرة جديدة على الطريق

, تمتلك لغتها وأدواتها , تعرف ما تقول , وتبوح بما يختلج فى أعماق باليقين دون أن تقيم وزنا لما سيقوله النقاد والدارسون عن هذا اللون من كتابة ما هو ؟ وتحت أية لافته من لافتات المعروضات الأدبية يمكن أن يوضع ويصنف : شعر هو أم قصيدة , نثر أم خواطر حرة تتأبى على التصنيف ؟

وظن البعض –خطا أنها نزوة كتابة سرعان ما تنتهى دواعيها وتتوقف ، أو فورة عاطفية انسكبت على الورق فى وقت ما لن تملك صاحبتها أن تكرر التعبير عنها بعد أن قالت ما قالته فى كتابها الأول "لحظه صدق" وظل استقبال كثيرين لكتابها اولا مشوبا بالتوجس والحذر أقلام قليلة جدا هى التى التفتت إلأى هذا الاسم الجديد فى عالم الكتابة بالرغم من دورانه طويلا ولعدة سنوات متصلة . فى مجال الحوارات والتحقيقات الصحفية ,
فى مجلات وصحف مصرية وعربية وكانت هذه اللقاءات والحوارات والتحقيقات تكشف عن متابعة يقظة والتفات إلى المهم والجوهرى وحرص على طرح جديد لمشكلة أو تقديم غيرمألوف لرأى أو وجهه نظر .
لكن الذين راهنو على جفاف ينبوع تيرى بباوى وتوقفها عن الكتابة بعد كتابها الأول سرعان ما خسروا رهانهم وهم يطالعون بين العام والعام عناوين إصداراتها المتتابعة باقه من الحب عمر من الحب المراة والزمن الفراشات الحنان أحلى من الكلمات ،امراة من برج الامل المطر صحبة حروف ملونة , ورد وياسمين , قلبى مدينة حب وها هو ذا كتابها الثالث عشر :"ارك على خير" يتوج هذه المسيرة من الإصرار والكتابة التصلة , ويصدر منذ أسابيع قليلق مؤكدا أن فيض الوجدان الممتلئ لايزال يزخر بالكثير , وأن مخزون الآلام والأفراح والشقاء والسعاده والتعاسه والبهجة والعطاء والحرمان والطفولة والنضج ولانتماء والاغتراب والقلق والثقة والحذر والاندفاع , لا يزال هذا المخزون قادرا على أن بعطى ويمنح ويفجر فى حروف الكلمات الوانا وظلالا وصورا وملامح .
"لحظه صدق" من أين جاءتها هذه الحكمة المبكرة تلقى بها فى يسر وبساطة وتبذرها فى ثنايا سطورها دون عنت أو مشقة , كأنما لتقول لنا إنها حكمة الفطرة أو السليقة , البعيدة عن الزيف أو التصنع التى لم تجئ نتيجة قراءات معقدة أو تأمل فلسفى , وإنما هى حكمة الحياة التى لم يبذل صاحبها جهدا فى آصطيادها أو اصطناعها , فجاءت تلقائية بسيطة مؤثرة تقول تيرى بباوى يا سيد العشق والعاشقين إذغ لم تفهم صمتى أخبرنى إذن كيف ستفهم كلماتى ؟
وتقول : هناك وقت نكتشف فيه أن كل شئ لا لزوم له أبدا بين الوقتين , يحمل كل منا أسمه على ظهره !
وتقول لا أدرى : الخطأ خطأمن ؟ عندما تفتح ذراعيك تبنى جسورا تصلك بالأخرين فتفاجأ بالخرين يبنون بينك وبينهم أسوار تجعلك تحار هل العيب فى جسورك أم فى أسوارهم ؟
وتقول سألوها :
لماذا لديك جانب سئ بنما انت بهذا الجمال والعطاء قالت بعد أن سحبت نفساً قصيراً كانها تعودت على الاجابه : هو "درعى" فى الحياة !
تقول :
السعادة كالفراشة إذغ انتظرتها
لا تاتى !
وتقول : القلب صياد وحيد يصطاد فريسته يعود القلب بعدها
صيادا جريحا!
وتقول :
شاهدت فى فيلم سينمائى امرأة تبكى , ففرحت .. مازال هناك من يستطيع البكاء حتى ولو بالأجر !
وتقول ما أصعب أن يعود الحبيب طالبا الصداقة
بعد الحب المشتعل !
وتقول فى أقصر مقطوعاتها على الإطلاق :
سجن خمس نجوم
أنا !
هل هو إذن أحساس عارم بامتلاك الخبرة والتجربة يعمق من هذه النزعة الفطرية والتلقائية على صوغ الحكمة واطلاق النصيحة واتخاز موقف الناصح والحكيم ! وهل هى النتيجة الطبيعية لامتلاء بئر النفس بصنوف شتى من العذابات والمكابدات والمسرات يجعلها تفيض عن ذاتها وتتدفق من أجل الآخرين محاولة أن تجنبهم عثرات الطريق وأن للوجوه الاخرى من الاشياء والحالات والمواقف والبشر حتى لا يسقطوا فى شراك المعاناة أو خداع المخادعين ؟
وهذا الحنين الى الطفولة : عمرا وتفاصيل ومخزون ذكريات ومساحة حنان وأمان , يواكب كتاباتها منذ اللحظة الأولى . الأمومة والبحث الدائب عن مرفا الامومة هاجس دائم فى كل كتابات تيرى بباوى يسيطر عليها منذ كتابها الاول حتى الاخير الثالث عشر ويصبغ الوان كتاباتها وتفاصيل منمنماتها وأواع لعبها وعرائسها ودببها والكم الهائل من الدمى والقردة الصغيرة . صحيح دائمة عند كل من يمارسون�صنعة الكتابة لكنها عند كاتبتنا العالم الاثير والعمر الحقيقى والواحة التى لا واحة سواها فى هجير الحياة . تقول تيرى بباوى :
أمى
أحن إليك يا أمى
أحن إلى صدرك , حضنك دفئك
أحن إلى خصلة من شعرك
أحن إلى سواد عينيك
وسط بياض عينيك النقى
أحن إليك يا أمى
أحن إلى عطرك يا أمى
برغم السنين
مازال عطرك فى عمق صدرى
أحن يا أمى
إلى رائحة فطائرك
تطهينها لها فى الفجر
تستعدين بها ليقظة أبنائك فى الصبح
أمى كل شئ فيك ينادينى
كل شئ فيك يحتوينى
يتندى إليك جيبينى
كأنه يعتذر لى ولك
عن عصيان عينى!
تكتب تيرى بباوى كما تتكلم . لا تصطنع لغة خاصة للكتابة وعدم تاالقها معا . التلقائية واليساطة العميقة والشفافية لا تكفى وحدها لإبداع فن جميل وأخاذ لابد من مساحة نفسية وفنيه تنضج فيها الكلمات على نار هادئة حتى تتشكل فى صورة تخدعنا عن انفسنا لأنها ستشبه لغة الحياة اليومية العادية لكنها لن تكون هى ابدا وهذا فارق شعرة دقيقة جدا . كيف أكون قريبا جدا من لغة الحياة ولا أكون لغة الحياة نفسها ؟ هذا هو التحدى أو المعادلة الصعبة التى لابد أن يحققها الكاتب والمبدع

 

فاروق شوشة